إنجيل الوفرة والغنى الحقيقي | جون كالفن


جون كالفن[i] مع نوكس بوزر- بيزا

قد يكون طرق الله غير معلنة، ولكن قصده لنا معلن.

هل أدى ما يسمونه إنجيل الوفرة في تحويل تابعيه لأكثر المشاركين – والضحايا بالتالي – للأزمة الإقتصادية الحالية؟

“قد يمكننا أن نلوم الله بسبب هذه الكارثة العظمى” ديفيد فان بيما، مجلة تايمز، 3 أكتوبر 2008

لم يكن المهوسون بما يسمونه إنجيل الوفرة والغنى فقط هم الذين قد سعوا خلف الصحة والغنى والسعادة كأنها حقوق إلهية لهم أو علامات على مباركة الله لهم. ولم يكونوا هم فقط الذين تجنبوا الضيق والفقر كما لو أنهما لعنات. ولكن طرق أكثر سرية عما نستطيع إدراكه.

يحكم الله الكون بأعمال عنايته-إدارته السرية حتى أن ليس هناك أمر يحدث بعيداً عن ترتيب الله، وتبقى يده إلى حد بعيد غير ظاهرة لنا. ماذا يمكنه ان يكون طبيعياً أكثر من تغير الفصول؟ ولكن، مع ذلك، يظل هناك عدم تماثل وهناك إختلاف حتى أن كل سنة، وشهر، ويوم يروا أنهم تحت إدارة ترتيب جديد من الله.

قال أحد آباء الكنيسة، باسيليوس الكبير أن الحظ والصدفة هما ألفاظ وثنية، وهما لفظان لا يجب على التقي إستخدامهما. ولكن رغم أن كل الأشياء تم ترتيبها بواسطة خطة الله، فبالنسبة لنا تبدوا نوعاً من الحظ – ترتيبها، ومسبباتها، ونهايتها، وضرورتها تبدوا عرضية أو صدفة. ولكن مهما كان فقلبنا يجب أن يظل مثبتاً على أن لا شيء يمكن أن يحدث بدون أن يكون الرب قد رآه مسبقاً.

لا يوجد شيء سوف يحفظنا بفاعلية في طريق مستقيم غير منحرف في هذا الزمان سوى قناعة ثابتة أن كل الأحداث في أيدي الله، وأنه رحيماً كما هو قدير. هذا سوف يقودنا للإمتنان في أوقات الوفرة، والصبر في الضيقات، ولإطمئنان في أمان عجيب بالنسبة للمستقبل.

ولأن لدينا ميل للوم الله في أوقات الضيق ولمدح أنفسنا في أوقات الوفرة، فنحن نتذمر ضد الله إن لم يمنحنا راحات هادئة. ونحن نتخيل أن الضيقات يمكنها أن تأتي فقط من الشيطان – كأنه إلهاً آخر إضافياً – ولهذا نفشل في أن ندرك أنه لا شيء يحدث، حتى إن كان مدبراً بواسطة الشيطان للشر، يتم تحويله بواسطة الله لقصد أعظم يتعلق بخلاصنا. لا يوجد شيء يمكنه إحباط مفعول مقاصد الله التي بالنعمة تجاهنا في المسيح. لا يقول بولس ان كل الأشياء خيره، ولكن يقول أن الله يجعل كل الأشياء تعمل معاً للخير لشعبه (رو8: 28).

لذا فإنه من الخطأ أن نستنتج من الوفرة أن الله راضٍ عنا، أو من الآلام أن الله غاضب. لأن الله لا يعطي للمؤمنين في تأديبه ما يستحقون بل ما هو مفيد بالنسبة لهم في المستقبل. فهو يتخذ وظيفة الطبيب وليس القاضي. دائماً ما تضعنا الآلام في نهاية قوتنا، حتى ننظر لله في المسيح من أجل أماننا.

علينا أن لا ننسى أنه لا يوجد محكمة أعلى من، ولا عرش أكثر فخامة، ولا موكب إنتصاري متميز ولا مركبات حربية رفيعة أعلى من إنتصار المسيح على الموت والشر في الصليب. لم تكن حياته سوى صليباً دائماً. يشتمل صليب المسيح في ذاته دائماً على النصرة. ولكن، مثل التلاميذ في الجلجثة، نحن نهرب من الصليب – نهرب من صليب المسيح ومن صليبنا. نتخيل أنه بشكل ما نحن نستحق الوفرة والغنى. ولكن الوفرة والغنى دائماً ما يسكرون الناس، حتى أنهم يتلذذون في بطلهم الذاتي. وبدلاً من أن يؤديا للإمتنان، يؤديا لإساءة إستغلال سماحة الله الإختيارية في العطاء؛ ويصبح الوفرة والغنى سجناً خاصاً يحرمنا من عطايا الله العظمى.

لا يمكن فصل سيادة سلطان الله عن قصده الخلاصي. إن عناية الله وإدارته للكون تحرص على خلاصنا، حتى وإن ظهر بأكثر شدة أنها نائمة. تماما ً كما نجد الله في “منخفضات أو وديان” هذا العالم – مثلما كان في مزود حقير متسخ في بيت لحم، أو متعب في طريقه لأورشليم، أو وهو يصلي وهو في حالة الهجر الإلهي على الصليب- فنحن نثق أنه متواجد بأكثر شدة في حياتنا بدقة حيث لا يبدو ظاهراً على الإطلاق. هذا يصنع فرقاً هائلاً في حياتنا لما نثق أن ذات الإله الذي يجرح هو يعصب أيضاً.

ونحن نتبع مخلصنا، ونحتمل الصليب في هذه الحياة إلى أن نملك مع المسيح في المجد. فالله لا يدعو شعبه للنصرة قبل أن يدربهم في حروب الآلام والمعاناة.

إن خلاصنا ومصالحتنا على الله في المسيح هي أكثر أهمية من أي سعادة حالية. إنه من الأفضل بكثير لأبناء الله أن يتباركوا، رغم جراحهم وكسرهم، عن أن تكون لديهم الرغبة في ذلك السلام الذي فيه سوف يغطون في النوم. إن أسمى أمان لنا وغنى ليوجد فقط في المسيح وسوف يتم إدراكه بالتمام فقط في المجد.


[i]  جون كالفن هو مؤلف أساسات الإيمان المسيحي مع شروحات لمعظم أسفار الكتاب المقدس، كل منهما كان مصدراً لهذه المقالة، وهي مأخذوة بتصرف ومعادة كتابتها بواسطة عضواً من عائلة الإيمان الكلفيني

Comments
4 تعليقات to “إنجيل الوفرة والغنى الحقيقي | جون كالفن”
  1. Farouk Eldeiry كتب:

    من فضلك عرّف لنا ماهو اللاهوت المصلح تحديدا. شكرا. القس فاروق الديري.

  2. Asharf SAmir كتب:

    إن خلاصنا ومصالحتنا على الله في المسيح هي أكثر أهمية من أي سعادة حالية

ما الذي يجول بخاطرك بخصوص التدوينة؟